عملية "الأسد الصاعد"- مخاطر التصعيد النووي ومفاجآت الرد الإيراني.

في فجر يوم الجمعة، أقدمت إسرائيل على مفاجأة مدوية للعالم أجمع، وذلك بشن هجوم عسكري شامل وغير متوقع، على الأقل في المدى القريب، استهدف الأراضي الإيرانية بأكملها. ووفقاً لما صرحت به تل أبيب، فإن هذا الهجوم قد استهدف "صميم" البرنامج النووي الإيراني، وقد أطلق عليه الإسرائيليون اسم "الأسد الصاعد".
ويبدو جلياً أن الهجوم الإسرائيلي قد أثار دهشة القيادة العسكرية الإيرانية، وربما تسبب في تأخير الرد الانتقامي الفوري، إلا أنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه العملية العسكرية قد حققت الهدف الأساسي المنشود، والمتمثل في تعطيل البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، والذي تزعم إسرائيل أن طهران على وشك حيازته وتسليحه. وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لا يمكن لأي تقديرات أو تقارير أن تحصي بدقة حجم الأضرار التي لحقت بالمفاعلات النووية الإيرانية.
أشار داني سيترينونويتز، الباحث المرموق في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إلى أن الضربة الإسرائيلية قد ألحقت ضرراً بالغاً بهيبة إيران، وذلك من خلال اختراق منظومات الدفاع الجوي الإيرانية والقضاء على عدد من كبار القادة العسكريين. ولكنه استدرك قائلاً إن تأثير هذه الضربة على البرنامج النووي الإيراني كان "محدوداً"، موضحاً أن المنشآت الرئيسية، بما في ذلك موقع فوردو المحصن بشكل كبير، لا تزال سليمة.
بعد مرور ساعات قليلة على الهجوم، صرحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، نقلاً عن مسؤولين إيرانيين، بأن ثلاثة مواقع نووية إيرانية، وهي فوردو وأصفهان وبوشهر، لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية.
وأكد المدير العام للوكالة استهداف موقع نطنز، الذي يُعد أكبر موقع نووي في البلاد، حيث أظهرت مقاطع الفيديو والصور أعمدة دخان تتصاعد فوق المنشأة. ومع ذلك، أكدت الوكالة عدم تسجيل أي ارتفاع في مستويات الإشعاع في الموقع.
ونقلت شبكة CNN عن "خبراء عسكريين" قولهم إن إيران قد أمضت سنوات طويلة في تحصين هياكلها النووية ضد التهديدات العسكرية، وهو الأمر الذي سيجعل تدميرها بشكل كامل مهمة بالغة الصعوبة.
وأضاف الخبراء أن هذه المرافق تعتمد على استخدام خرسانة متخصصة ومتصلة، وأن بعض المواقع تحت الأرض متصلة بأنفاق ذات منعطفات بزاوية 90 درجة، مما يزيد من تعقيد مهمة تدميرها.
تشير التقارير الأولية الصادرة عن جهات أمنية رفيعة المستوى إلى أن الضربة الإسرائيلية قد ألحقت بالتأكيد أضراراً بالمشروع النووي الإيراني، إلا أنها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية على طموحات تل أبيب. فمن الممكن أن تدفع هذه الضربة طهران إلى خيار وحيد يتعلق بوجود الدولة والنظام ذاته، وهو حتمية الحصول على سلاح نووي، مهما كانت التكلفة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، فإن عملية "الأسد الصاعد" لم تهدف فقط إلى النيل من المشروع النووي الإيراني، بل كانت ذات هدف مزدوج: إهانة إيران عسكرياً في المقام الأول، وتغيير نظامها السياسي لاحقاً كنتيجة مترتبة على الفشل العسكري والأمني في حماية قادتها العسكريين ومشروعها النووي الذي تعتبره تاريخياً.
يجادل البعض بأن عملية "الأسد الصاعد" قد تشعل شرارة انتفاضة شعبية، وأن الشعب الإيراني قد يخرج إلى الشوارع للمطالبة بتغييرات سياسية جذرية. إلا أن أغلب التوقعات تشير إلى صعوبة حدوث ذلك، إذ إن الهجوم قد يؤدي إلى توحيد الشعب الإيراني حول قيادته السياسية وتأجيل المطالبة بأي تغييرات كبيرة محتملة، وذلك للحيلولة دون المساس باستقرار البلاد في هذه اللحظة الدقيقة والحساسة.
ويرى توماس إس. أريك، ضابط المخابرات الأميركي السابق، أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تغيير نظام سياسي من خلال حملة جوية، مهما كانت فعالة.
ويضيف أنه مهما أضعفت الغارات الإسرائيلية الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك مقتل بعض كبار القادة العسكريين، فإن طهران لا تزال قوية ومتماسكة بما يكفي لمنع اندلاع ثورة شعبية "ملونة".
لذلك، يوصي أريك بضرورة أن تقوم تل أبيب بتطوير إستراتيجية عملية، بمشاركة الولايات المتحدة، لتمكين إيران من إنهاء تهديدها النووي لإسرائيل.
إلا أنه يؤكد أن تحقيق ذلك لن يكون سهلاً، وسيتطلب من قادة إسرائيل تقديم تنازلات جادة، بما في ذلك كيفية إنهاء الحرب في غزة بشروط تمنع عودة حماس إلى السلطة، مع منح الفلسطينيين مساراً نحو إعادة الإعمار والعيش بكرامة وسلام.
ومن بين النقاط التي تم تجاهلها في يوم الخميس (عشية الهجوم) أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد صوتت، ولأول مرة منذ عشرين عاماً، على أن إيران لا تلتزم بالتزاماتها المتعلقة بحظر الانتشار النووي.
وربما تكون إسرائيل قد قدرت أن إيران "تسابق الزمن" لامتلاك قنبلة نووية، واعتبرت قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمثابة الوجه الدبلوماسي للعملة نفسها التي استخدمتها في ضرباتها العسكرية.
ومع ذلك، تتزايد التقارير الإسرائيلية التي تعبر عن قلقها من أن إيران سترى في الهجوم الإسرائيلي عملاً لا طائل منه، إلا أن الوقت قد حان بالفعل ليقرر النظام الإيراني ما إذا كان سيصر بعناد على أهمية الحصول على قنبلة نووية، إن لم يكن قد أنجز ذلك بالفعل. وأنه لم يعد بوسعه البقاء على الحياد النووي، وعليه أن يقرر ما إذا كان سيسرع في امتلاك القنبلة أو المخاطرة بعدم امتلاكها أبداً.
ومن المرجح أن تتمسك طهران بالخيار الأول، فعلى عكس العراق في عام 1981 أو سوريا في عام 2007، واللتين اعتمدتا على جهات خارجية لبناء وتشغيل برامجهما النووية، فإن إيران تمتلك الخبرة التقنية والبيانات والمعرفة اللازمة لإعادة بناء نفسها. ولن تحتاج إلى علماء فرنسيين أو كوريين شماليين، فالخبرة التقنية موجودة محلياً.
ويرى جوناثان بانيكوف في موقع "المجلس الأطلسي" أن هذا الأمر قد يبدو غير منطقي في وقت تنهال فيه الضربات الإسرائيلية على إيران بسبب برنامجها النووي. ولكن كما ترى إسرائيل أن امتلاك إيران لسلاح نووي يمثل تهديداً وجودياً، فإن امتلاك إيران لسلاح نووي (أو إمكانية امتلاكه) يمثل بالنسبة للعديد من القادة الإيرانيين ضماناً وجودياً لبقاء النظام نفسه.
ويعتقد العديد من القادة الإيرانيين أن السلاح النووي يوفر لهم في نهاية المطاف الاستقرار والحماية، تماماً كما هو الحال بالنسبة لكوريا الشمالية من وجهة نظرهم.
ومن جهة أخرى، فقد قرر نتنياهو أن يمضي قدماً في هذه المغامرة العسكرية في وقت تنامت فيه مشاعر انعدام اليقين بين الإسرائيليين بشأن جدوى العملية التي شنها على إيران، إذ توجد قضية ربما تكون الأكثر إثارة للقلق، وهي أزمة الثقة داخل إسرائيل نفسها.
ففي ظل البيئة السياسية المتصدعة اليوم، ومع تراجع الثقة بالحكومة إلى أدنى مستوياتها، يصعب تخيل النظر إلى أي عملية بهذا الحجم من منظور الأمن القومي فحسب، بل إن العديد من الإسرائيليين ينظرون إليها من منظور السياسة والبقاء الشخصي، وخاصة من منظور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويقول الصحفي والمؤرخ الإسرائيلي يعقوب كاتز في "جيروزاليم بوست"، الصحيفة الأكثر شهرة وانتشاراً بين القراء في إسرائيل، إن مهمة كهذه، تمس وجود دولة إسرائيل بحد ذاته، والتي قد تتفاقم إلى حرب إقليمية أوسع وتُطلق هجمات غير مسبوقة على المدن الإسرائيلية، يُفترض أن تُنفذ عندما يكون الشعب موحداً، وتتمتع حكومته بشرعية واسعة، وعندما يعتقد الشعب أن قادته يتصرفون بدافع الضرورة الإستراتيجية، لا بدافع الحفاظ على مصالحهم الشخصية.
ومع ذلك، تبقى خيارات إيران في الوقت الراهن مربكة إلى حد بعيد، فالمباغتة والأضرار والهجمات المتتالية التي شنتها المقاتلات الإسرائيلية قد عطلت استشراف هذه الخيارات سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري.
ولذا فإنه من غير المرجح الآن أن تُعقد الجولة السادسة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة، والمقرر عقدها في 15 يونيو/ حزيران الجاري. ومع تراجع الجهود الدبلوماسية على ما يبدو، فإن ردود الفعل الإيرانية العسكرية ستزيد حتماً من دائرة التصعيد.
ووفقاً لتقديرات الاستخبارات الأميركية، تمتلك إيران نحو 2000 صاروخ، كثير منها قادر على حمل رؤوس حربية تزيد حمولتها عن 900 كيلوغرام من المتفجرات، وتنتج نحو 50 صاروخاً باليستياً شهرياً. ولا يزال من غير الواضح مدى تأثر هذه القدرات بالهجوم الإسرائيلي الأخير.
وقد تفكر طهران أيضاً في الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تُعد حجر الزاوية في ضبط الأسلحة النووية على مستوى العالم. وبينما تعتقد الاستخبارات الأميركية حالياً، خلافاً للتقييمات الإسرائيلية، أن إيران لا تسعى بنشاط إلى امتلاك أسلحة نووية، فقد تستخدم الجمهورية الإسلامية الهجوم الإسرائيلي لتبرير التخلي عن التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي والتوجه نحو التسلح، وذلك بحسب تقديرات Kian Sharifi على موقع راديو الحرية/ إذاعة أوروبا الحرة.
ولعل ذلك ما دفع إران عتصيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إلى أن يكتب في موقع "إكسبريس" الإلكتروني: "لقد فتح نتنياهو فصلاً جديداً في الشرق الأوسط، وهو عصر الحرب النووية الإسرائيلية الإيرانية"، لافتاً إلى أن "حكومة نتنياهو ربما تكون قد منحت النظام الإيراني الشرعية المحلية والدولية للسعي للحصول على الأسلحة النووية".